الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)
{ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون}.ليس على الضعفاء العاجزين عن القتال لعلة في تكوينهم، أو لشيخوخة تقعدهم؛ ولا على المرضى الذين لا يستطيعون الحركة والجهد؛ ولا على المعدمين الذين لا يجدون ما يتزودون به.ليس على هؤلاء حرج إذا تخلفوا عن المعركة في الميدان، وقلوبهم مخلصة لله ورسوله، لا يغشون ولا يخدعون، ويقومون بعد ذلك بما يستطيعونه- دون القتال- من حراسة أو صيانة أو قيام على النساء والذرية في دار الإسلام، أو أعمال أخرى تعود بالنفع على المسلمين. ليس عليهم جناح، وهم يحسنون بقدر ما يستطيعون، فلا جناح على المحسنين، إنما الجناح على المسيئين.ولا جناح كذلك على القادرين على الحرب، ولكنهم لا يجدون الرواحل التي تحملهم إلى أرض المعركة. فإذا حرموا المشاركة فيها لهذا السبب، ألمت نفوسهم حتى لتفيض أعينهم دموعاً، لأنهم لا يجدون ما ينفقون.وإنها لصورة مؤثرة للرغبة الصحيحة في الجهاد، والألم الصادق للحرمان من نعمة أدائه. وإنها لصورة واقعة حفظتها الروايات عن جماعة من المسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم تختلف الروايات في تعيين أسمائهم، ولكنها تتفق على الواقعة الصحيحة.روى العوفي عن ابن عباس: وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن ينبعثوا غازين معه، فجاءته عصابة من أصحابه فيهم عبد الله بن مغفل بن مقوى المازني، فقالوا: يا رسول الله احملنا، فقال لهم: «والله لا أجد ما أحملكم عليه» فتولوا وهم يبكون، وعز عليهم أن يجلسوا عن الجهاد ولا يجدون نفقة ولا محملاً: فلما رأى الله حرصهم على محبته ومحبة رسوله أنزل عذرهم في كتابه.وقال مجاهد: نزلت في بني مقرن من مزينة.وقال محمد بن كعب كانوا سبعة نفر من بني عمرو بن عوف: سالم بن عوف، ومن بني واقف: حرمي ابن عمر، ومن بني مازن بن النجار: عبد الرحمن بن كعب ويكنى أبا ليلى، ومن بني المعلى: فضل الله ومن بني سلمة: عمرو بن عتمة وعبد الله بن عمرو والمزني.وقال ابن إسحاق في سياق غزوة تبوك: ثم إن رجالاً من المسلمين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الباكون وهم سبعة نفر من الأنصار وغيرهم من بني عمرو بن عوف: سالم بن عمير، وعلية بن زيد أخو بني حارثة، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب أخو بني مازن وعمرو بن الحمام بن الجموح أخو بني سلمة، وعبد الله بن المغفل المزني، وبعض الناس يقول: بل هو عبد الله بن عمرو والمزني وحرمي بن عبد الله أخو بني واقف وعياض بن سارية الفزاري، فاستحملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا أهل حاجة: قال: {لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون}.بمثل هذه الروح انتصر الإسلام، وبمثل هذه الروح عزت كلمته. فلننظر أين نحن من هؤلاء. ولننظر أين روحنا من تلك العصبة. ثم لنطلب النصر والعزة إن استشعرنا من أنفسنا بعض هذه المشاعر. وإلا فلنسدد ولنقارب والله المستعان.
|